قضايا عراقية على طاولة الرئيس الأمريكي المقبل

فراس إلياس

يشكل العراق أحد الملفات الرئيسية على طاولة الرئيس الأمريكي المقبل، وذلك نظراً لطبيعة التحديات الاستراتيجية التي يشكلها العراق، بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، ورغم محاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الوصول لنهايات سياسية واضحة في العراق، إلا أن طبيعة القضايا المعقدة في الساحة العراقية، انعكست سلباً على روئ الرئيس ترامب، ومن ثم يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي المقبل سيواجه تحديات كبيرة في التعاطي مع الملف العراقي.

تنظيم داعش وعقدة الأمن

تبرز أولى القضايا العراقية؛ حول طبيعة تعاطي الرئيس الأمريكي المقبل مع متغير تنظيم داعش، فعلى الرغم من تحجيم هذا التنظيم عسكرياً، واستعادة السيطرة على أغلب المناطق التي كان يسيطر عليها في مناطق شمال وغرب العراق، والذي أدت فيه الولايات المتحدة دوراً فاعلاً عبر التحالف الدولي، وبالتنسيق مع القوات الأمنية العراقية، إلا أن الهجمات المتكررة التي يقوم بها التنظيم بالوقت الحالي، توحي بأن هناك المزيد الذي ينبغي على الولايات المتحدة أن تفعله في العراق.

واشنطن تواجه 18 ألف مقاتل داعشي منتشرين في العراق وأجزاء من سوريا يتطلب تغييرا عاجلا في الاستراتيجية الأمريكية على الأرض

تشير التقديرات العسكرية الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية عام 2019، إلى إن أعداد عناصر التنظيم تتراوح مابين 14000 – 18000 مقاتل، يتوزعون على مساحة جغرافية تشمل الخارطة العراقية والسورية، هذا فضلاً عن الإشارة بأن هجمات عناصر التنظيم تصاعدت، لتصل إلى حوالي 60 هجوم شهرياً، تترواح مابين هجمات مسلحة أو عبوات ناسفة أو قطع للطرق أو السيطرة الوقتية على مقرات عسكرية. وعلى أساس هذا المعطى الاستراتيجي تنظر الولايات المتحدة إلى تنظيم داعش؛ على أنه يشكل تهديداً كبيراً على القوات الأمريكية وشركائها الاستراتيجيين، وبالرغم من توجه الولايات المتحدة مؤخراً لإعادة تقييم انتشارها العسكري في العراق وشرق سوريا، وهو توجه قد يلقي بظلاله على حيثيات الأمن الوطني العراقي، إلا أنها تبدو مهيئة لمعالجة هذه الشواغل الأمنية مستقبلاً، خصوصاً وأن هذا التحول الاستراتيجي الأمريكي، مرتبط بتحول آخر متمثل بنزوح تكتيكيلقوات إيرانية من حلب ومواقع عسكرية أخرى شرق سوريا.

إن الصياغات الاستراتيجية التي تتعاطى بها الولايات المتحدة من تصاعد تهديدات تنظيم داعش، تشهد اليوم العديد من القراءات الأمنية ضمن دوائر صنع القرار الأمريكي، في تحول استراتيجي على مايبدو ذاهب لإعطاء العديد من القوى العسكرية أدواراً أكثر فاعلية في مواجهة التنظيم، والحديث هنا عن قوات الأمن العراقية، ووحدات حماية الشعب الكردية السورية، مع اكتفاء الولايات المتحدة بتقديم الدعم الاستخباري واللوجستي، وهو توجه استراتيجي أمريكي عام، قد يشمل جغرافيات عسكرية أخرى في الشرق الأوسط.

الولايات المتحدة مرغمة على التعاطي مع النفوذ الإيراني في العراق الذي يسيطر بدوره على الفصائل الولائية هناك

إيران وصراع النفوذ

تتمثل القضية الثانية  بالفاعل الإيراني؛ وهو متغير  سيجدالرئيس الأمريكي نفسه مجبراً على التعاطي معه في العراق، إذ أبدت إيران حرصاً في المرحلة الأولى للاحتلال الأمريكي، على عدم الخروج المباشر والعلني على الاستراتيجية والأهداف الأمريكية بشكل حاد أو واضح أو محدد الملامح، وفيما بعد لعبت إيران لعبة السيطرة عبر الفصائل الولائية المرتبطة بها، التي كانت قد دربتها ومولتها قبل احتلال العراق بزمن طويل، واستفادت من أعمال الفوضى التي صنعها الاحتلال الأمريكي، وبمراجعة طبيعة العلاقات بين الطرفين، نجد أنهما تمكنا خلال المنعطفات الحادة منذ بداية الاحتلال وحتى وقت قريب، من الوصول دوماً إلى تفاهمات في نهاية المطاف، سواء عبر وكلائهما في العملية السياسية أو عبر تواصل مباشر وتوافقات وتقاطع مصالح، وقد ساهم في استمرار تلك اللعبة، توافقهما الإيديولوجي والاستراتيجي صناعة نفوذ مزدوج داخل العراق.

ونظراً للالتزام السياسي الذي أظهرته الولايات المتحدة في دعم عملية ترشيح رئيس الوزراء الحالي السيد مصطفى الكاظمي، فإنه ليس من الواضح أن إيران تشعر أنها يمكن أن تجعل من العراق شريكاً أمنياً – أو جزءً فاعلاً من محور المقاومة، وعلى الرغم من أن هناك فصائل عديدة منظوية ضمن هيكلية الحشد الشعبي، هي اليوم تطرح نفسها بصورة أخرى على أنها جزءً من محور المقاومة، وهي جهود تسعى إيران إلى تحقيقها لضم المنظومة الرسمية العراقية إلى هذا المحور، ومن الواضح أن إيران ترغب في إنهاء النفوذ الأمني للولايات المتحدة ​​في العراق، وذلك من خلال توجهها إلى دفع الفصائل والأحزاب المقربة منها، إلى دعم عملية ترشيح السيد مصطفى الكاظمي، والسعي لإدماج الفصائل المرتبطة بها ضمن المنظومة الأمنية العراقية، ورؤية حكومة مؤيدة لإيران، وتوسيع نفوذها الأمني​، وإنشاء طريق عبور أمني واضح من إيران إلى سوريا.

وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن إيران يمكن أن تنجح ببساطة في إفشال حكومة السيد مصطفى الكاظمي، إذا ماكانت سياسة الرئيس الأمريكي المقبل غير مواتية للأهداف الإيرانية، وقد ترغب في تحقيق عراق مستقر، يخضع لنفوذ إيراني كبير، ليكون جزءً من محور أمني يشمل سوريا ولبنان واليمن، وتبقى الحقيقة أن إيران يمكنها تحقيق أهدافها ببساطة عن طريق إخراج الولايات المتحدة من العراق، وتولي دور مزود خارجي للمساعدة المدنية والعسكرية، فالعراق الضعيف والمنهك اقتصادياً وصحياً، سيظل يمنح إيران حرية عمل نسبية، ولن يمثل أي تهديد لنفوذها، وستظل إيران تهديداً حقيقياً إلى أجل غير مسمى في المستقبل، للولايات المتحدة من جهة، والأمن الوطني العراقي من جهة أخرى.

الفصائل الولائية وحرب الوكالة

تتضح القضية الثالثة بالصعود الكبير للحشد الشعبي منذ عام 2014، وعلى الرغم من التمايزات الهكلية والتنظيمية التي يمر بها الحشد الشعبي اليوم، بحيث أصبحنا أمام حشد بدأ يتمايز شيئاً فشيئاً عن إيران، وتحديداً الفصائل التابعة لمرجعيات دينية – شيعية عراقية، نجد في المقابل تيار آخر من الحشد بدأ يرتبط تنظيمياً وإدارياً بقوة القدس، والحديث هنا عن الفصائل الولائية، وتحديداً الفصائل الخمس الكبرى (كتائب حزب الله – عصائب أهل الحق – حركة النجباء – كتائب سيد الشهداء – كتائب الإمام علي)، وهو ماجعل من هذه الفصائل اليد الطولى لإيران لاستنزاف الولايات المتحدة في العراق منذ عام 2018، وبدأت تثبت وجودها الاستراتيجي والعسكري في العديد من المناطق التي تتواجد فيها القوات الأمريكية، وتحديداً المدن المحررة من سيطرة تنظيم داعش.

برزت الفصائل الولائية المنضوية ضمن هيكلية الحشد الشعبي عسكرياً في عام 2014، بعد الفتوى الشهيرة التي أصدرها المرجع الشيعي السيد علي السيستاني، لتجد العديد من هذه الفصائل التي كانت ملاحقة قانوناً، الفرصة مناسبة جداً لشرعنة وجودها العسكري، عبر الدخول تحت مظلة الحشد الشعبي، بدعم وتأثير من قبل قائد قوة القدس السابق قاسم سليماني، وفي عام 2016؛ تم تنظيم الحشد الشعبي مؤسساتياً عبر قانون أصدره مجلس النواب العراقي تحت عنوان (هيئة الحشد الشعبي)، وأصبحت هذه الفصائل تمتلك قوة عسكرية موازية للجيش العراقي، وتنشر في العديد من المناطق في شمال وغرب العراق.

ومن خلال متابعة سياقات التعاطي الأمريكي مع الحشد الشعبي، نجد أن الولايات المتحدة حددت مسارات تعاملها مع الفصائل الولائية المرتبطة بإيران، وتحديداً الفصائل التي تم ذكرها أعلاه، أو تلك التي ظهرت في الآونة الأخيرة كـ«عصبة الثائرين» و«أصحاب الكهف» وغيرها، والتي هاجمت القوات الأمريكية في العراق بصورة مستمرة، وأدت دوراً بارزاً في الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد في ديسمبر  2019، فضلاً عن تلقيها للدعم المالي والعسكري المستمر من  إيران.

تشكل الفصائل الولائية أحد أبرز التحديات الأمنية التي تواجهها القوات الأمريكية في العراق، ولهذا سعت الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية إلى الضغط على حكومات السيد حيدر العبادي والسيد عادل عبدالمهدي، لإيجاد طريقة تضبط حركة هذه الفصائل، عن طريق دمجها بالقوات الأمنية العراقية أو حلها أو تنظيم وضعها بصورة مشددة قانوناً، وهي ضغوط يتوقع أن يخضع لها السيد مصطفى الكاظمي، وستحظى باهتمام الرئيس الأمريكي المقبل أيضاً.

وتتضح أبعاد دور هذه الفصائل في العراق؛ بسعيها المستمر للهيمنة على العملية السياسية العراقية بشخوصها ومؤسساتها وهياكلها، وعدم السماح لأي فاعل سياسي أو شعبي داخلي أو إقليمي أو دولي بتهديد مصالحها السياسية هناك، وهو ما برهن عليه الدور الإيراني حيال التعامل مع التظاهرات الاحتجاجية في العراق في أكتوبر 2019، والتي رفعت شعارات منددة بالأحزاب الشيعية والدور الإيراني في العراق، فهي تدرك جيداً أن ضمان نفوذها السياسي في العراق هو بالمقابل ضمان لفاعلية استراتيجية إيران الإقليمية، وفي المقابل سيلقي مزيداً من الضغوط على النفوذ الأمريكي في العراق.

 

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق