شعب الروهينجا هروب نحو القتل والهوية المفقودة

د. ناصر مأمون عيسى
Latest posts by د. ناصر مأمون عيسى (see all)

منذ أن اندلعت أعمال العنف بحق مسلمي الروهينجا، في إقليم أراكان غرب دولة ميانمار (بروما سابقا) بمعرفة متطرفين بوذيين ثم ما لبث أن انخرطت قوات الجيش والشرطة في تلك المجازر في ستينات القرن الماضي ولا تزال المأساة مستمرة في اضطهاد ممنهج وتغريب وتشريد وقتل وحرق واغتصاب جماعي أمام أعين العالم، وخاصة بني عقيدتهم المليار ونيف مسلم وإن كانت حملات الإبادة الجماعية تلك قد أوجعت العالم في 2017 إلا أن للقضية جذورا قديمة نحاول الوقوف علي بعضها بعد أن نعرف من هم الروهينجا.

الروهينجا وجذور الاضطهاد

يمثل الروهينجا المسلمين رقما في التعداد السكاني في ميانمار يصعب تجاوزه فهم يشكلون أكثر من 15% من سكان البلاد، الذين يصلون إلى 60 مليون نسمة وما زالت ترفض حكومة ميانمار الاعتراف بهم كمواطنين وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين, ويتحدث مسلمي الروهينجا لغة خاصة بهم (الروهنجية) وهي لغة (هندو- أوروبية) مرتبطة بلغة (شيتا قونق ) المستخدمة في بنجلاديش ولعل ذلك ما حدا بالبوذيين التقول عليهم بأنهم من أصل بنجلاديش ومازالت ميانمار تعتبرهم عديمي الجنسية حتي اليوم.

 

ذهب البعض إلى أن الإسلام قد دخل إلى ولاية أراكان في القرن الأول للهجرة والبعض الآخر يرجعه إلى عهد الملك هارون الرشيد مع التجار العرب في القرن السابع الميلادي, وتعود تسمية مسلمي إقليم أراكان بالروهينجا، والتي اشتقت من كلمة راهان أو «روها» وهي تعني «الرحمة» إلى الأصل الأفغاني ويعزيها البعض إلى أصل بنغالي وإن لم يختلف المعني, ثم كون شعب أراكان مملكة إسلامية أسسها الملك «سليمان شاه»، استمرت لقرون من الزمن حيث تولي حكمها من بعده 48 حاكما مسلما علي التوالي ثم أصابها الهوان فاحتلها البورميون عام 1824 في عهد الملك «بوداباي» ضمها إلى بورما ثم تلاه الاحتلال البريطاني عام 1848 قبل أن تعود إلى بورما مرة أخري في عام 1948م.

 

ويذكر أنه عندما احتل الانجليز الإقليم أظهر أهله مقاومة شرسة مما دعا المحتل إلى تقليب البوذيين عليهم وتسليحهم وزرع الضغينة وتعميق الخلاف العقائدي بينهم لكسر شوكة الطرفين وقد تأكد ذلك بما أورده تقرير اضطهاد مسلمي بورما الصادر من مرصد الأزهر الشريف في 2015 وحتي بعد استقلال بورما عن الحكومة الهندية البريطانية وعرفت بحكومة بورما البريطانية استمرت هجمات جماعة «الماغ البوذية» الشرسة علي مسلمي الروهينجا بدعم بريطاني حتي بلغ عدد القتلي في عام 1938 وحده حوالي 30 ألف قتيل مسلم ووصل عدد القتلي بين عامي 1942-1947 أكثر من 10 آلاف قتيل من الروهينجا ثم إذاد الأمر سوءا بعد تولي الجيش الحكم في انقلاب عسكري في 1962 الذي قاد حملة تهجير قسري لهم فهجر منهم ما يربو علي الـ300 ألف نسمة إلى بنجلاديش في عام 1978 وتقريبا نفس العدد في عام 1992 مما جعلهم هم أيضا يحملون السلاح في تشكيل مسلح عرف بـ «جيش إنقاذ روهينجا اراكان» وهو الأمر الذي اتخذته الحكومة الميانمارية ذريعة قوية لتكسب اضطهادها لهم صورة مقاومة جماعة متطرفة متمردة تحمل السلاح.

 

وتعددت الحركات التي تعمل وفق منهج التطهير العرقي لمسلمي الروهينجا في ميانمار إلا أن أهمها علي الإطلاق «حركة 969» وهي منظمة بوذية قومية تأسست في 1999 وتهدف إلى الحد من انتشار الدين الإسلامي حتي انها دفعت الحكومة إلى سن قوانين خاصة تجرم زواج المسلمات قبل عمر25 سنة والشباب قبل عمر30 سنة ونهجت توظيف الدوافع الدينية والثقافية في استخدام العنف ضد الروهينجا ويعني برقم 9 الأولى في شعار تلك الحركة السمات خاصة ببوذا ورقم 6 يقصد به تعاليم بوذا وما يسمي الدارما أما رقم 9 الأخيرة فيشير إلى سمات خاصة بالرهبان أو السانغا .

في عام 2017 اتخذت وتيرة العنف ضد الروهيينجا منحنى خطيرا وصل لحد حرقهم أحياء فضلا عن الاغتصاب وتحويل المساجد لحظائر خنازير

وما بين عامي 2012 و2015 برزت نزعة قومية متطرفة ضد مسلمي الروهينجا تزعمتها لجنة حماية العرق والدين المعروفة اختصارا باسم ( ما با ثا) فاندلعت أعمال العنف من قتل وحرق منازل ومساجد المسلمين ثم تجددت حملات الإبادة وبصورة ممنهجة أكثر في عام 2017 حيث بلغت ذروتها بحرقهم أحياء ودفنهم جماعات في مقابر جماعية أحياء مكبلين بين شيخ وامراة وطفل وحفلات للاغتصاب الجماعي للنساء وتحويل مساجدهم الي حظائر للخنازير .

الموقف الدولي

جاء موقف المجتمع الدولي كما وصفه سليم الله عبدالرحمن، أنه  لم يكن مخلصا في تعامله مع هذه القضية فقد كانوا في العلن يصدرون بيانات الإدانة وفي الخفاء يتعاونون مع القتلة فلم يقوم بدوره في حماية المسلمين العُزل في أراكان , ولعل ما يؤيد تصريح سليم الله الموقف الروسي الذي جاء داعما لموقف ميانمار ووصف الامر أنه لم يصل لحد الإبادة الجماعية ودعت إلى تخفيف الضغوط الدولية علي ميانمار.

المجتمع الدولي خان شعب الروهينجا بدعم المذابح سرا وعلنا وفي المحافل الدولية

الموقف الصيني بدوره ذهب إلى أبعد من ذلك حيث وقف ضد قرار بصيغة بريطانية لإدانة ميانمار بسبب إبادتها لمسلمي الروهينجا في مجلس الأمن الدولي في 2017 في وقت كانت الجرائم ضد مسلمي الروهينجا تقع أمام العالم أجمع, حتي في أثناء زيارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لميانمار لم يتذكر تلك المجازر سوي بعبارة يكسوها الاستحياء «علي الحكومة العمل علي توفير سبل الحياة الكريمة للأقلية المسلمة والحفاظ علي حقوقهم»،  أما الإدراة الحالية فهي لم تزد عن سابقتها فقد عبرت عن قلقها مما يتم لكنها رات انها لن تدعو لفرض عقوبات بزعم وحسب ما جاء في بيان خارجيتها أن مقاربتنا شراكة لمساعدتهم.

 

أما الأمم المتحدة فقد أفردت في تقريرا لها صدر في 2014 أن مسلمي أراكان يواجهون تمييزا دينيا إلا أن الموائمات الدولية كان لها أثرا في موقف المنظمة الأكبر في العالم ففي عام 2016 ذهبت لجنة تقصي للحقائق في هذه القضية ترأسها كوفي أنان الأمين العام للمنظمة والتي شكلتها مستشار الدولة ( رئيس الوزراء) في ميانمار ارنج سان سوتشي ابنة بطل استقلال بورما والحائزة علي جائزة نوبل للسلام وسلمت اللجنة تقريرها في 2017 إلا أن التقرير جاء منقوصا متعمدا بحسب رأي منظمات حقوقيه دولية لتغافله وصف ما تام بجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية حيث توافرت فيه أربعة بنود من الخمسة التي تعتمدهم الأمم المتحدة في وصف حالة الإبادة الجماعية(*), وطالبوا بلجنة دولية وليست استشارية تعينها مستشار دولة ميانمار وقد صدر عن الأمم المتحدة بعد ذلك تقريرا يصف بعض أعمال قوات الجيش والشرطة هناك بأعمال (قتل وتشريد واغتصاب جماعي)، إلا أن مجلس الأمن قد أخفق في تقنين هذا الاتهام بالفيتو الصيني في مارس 2017.

الموقف الإسلامي

يحسب لدولة الجوار الإسلامية بنجلاديش انها من أكثر الدول الإسلامية سدادا لفاتورة ماتم من تشريد شعب الروهينجا، حيث احتوت ما يقرب من مليون مهجر منهم رغم حالتها الاقتصادية المتردية، إلا أنها فتحت حدودها لهم ورغم الفجور الذي تعامل به الجيش الميانماري مع المهجرين حتي بعد تهجيرهم وقيامه بزرع ألغام محرمة دوليا علي النقاط الحدودية مع بنجلاديش، الذي يستخدمها المهجرين للعبور إلى بنجلاديش التي خصصت لاستيعاب جزء كبير منهم جزيرة تنجار تشار في خليج البنغال حتي يتم حل الأزمة, كذلك استقبلت الهند بعضهم في منطقة حيدر أباد وفريد أباد المسلمتين وقامت مؤسسات المجتمع المدني الإسلامية وغير الإسلامية وبدافع من مجلس عموم الهند الإسلامي بتقديم المساعدات المعيشية وتوفير الوسائل التعليمية لأطفالهم وأعلنت باكستان يوم 12 يونيه يوما للتضامن معهم واندلعت المظاهرات في أغلب المدن الكبري في باكستان وإندونسيا وماليزيا, وأعلنت السعودية انها استوعبت عددا منهم وقدمت تركيا عن طريق وكالة تيكا للأعمال الإنسانية المساعدات للمهجرين في مخيماتهم في بنجلاديش وأعلنت إيران دعمها الكامل لمسلمي الروهينجا وأعتبرت ما يتم معهم مؤامرة صهيونية ودعت العالم الإسلامي إلى قطع العلاقات بكافة أشكالها مع ميانمار.

 

أما منظمة التعاون الإسلامي فقد ألتمست من الدول الـ57 الأعضاء تقديم المساعدات ومد يد العون لبني جلدتهم, وتقدمت بمشروع قرار للجنة حقوق الإنسان التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تعد قرارتها غير إلزامية ورعت جلسات وندوات داخل أروقة الأمم المتحدة وشكلت اللجان لزيارة المهجرين في ملاجئهم.

التصدي الجاميبي للقضية :-

تقدمت دولة جامبيا أصغرد دولة إفريقية والتي أعلنها رئيسها يحي جامع دولة إسلامية في عام 2015 وبتكليف من منظمة التعاون الإسلامي برفع دعوي قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2017 ضد حكومة ميانمار تتهمها بارتكاب أعمال تمثل إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ضد أقلية مسلمي الروهينجا، طالبت بضرورة معاقبة المسئولين بالجيش والشرطة الذين اسهموا في ذلك وكذلك إلزام الحكومة الميانمارية بتوفير وسائل الحماية لهم والرعاية الواجبة لهم لحين الفصل في الدعوي  وكانت ميانمار قد اعترضت علي رفع الدعوي بحجة انها لم توقع بعد علي ميثاق المحكمة إلا أن المدعي العام للمحكمة «فاتو بنسودة» جاء رده قاطعا في حق وولاية المحكمة بالنظر في هذه الدعوي بسبب أن بنجلاديش عضو بالمحكمة وحددت المحكمة جلسات استماع استمرت من 10-12 يسمبر 2019 في مقرها بلاهاي وقد ترأست رئيسة وزراء ميانمار وفد بلادها أمام المحكمة نافية كل الاتهامات ومعتبرة ما تم وإن كان الجيش قد تجاوز في التعامل إلا أنه كان يواجه جماعة متمردة ولم يكن ينتوي أي إبادة أو حالات قتل جماعي، وقد صاحب ظهورها أمام المحكمة تظاهرات محدودة من بعض مؤيديها أما المحكمة في لاهاي وكذلك في المدن الكبري في ميانمار دعما لموقفها.

 

ومن ناحية أخري فقد ترأس السيد أبو بكر تامبادو، وزير العدل في حكومة جامبيا وفد الادعاء بحكم أن عمله السابق حيث عمل محاميا أمام تلك المحكمة  ورغم أن أحكام تلك المحكمة غير تنفيذية إلا أن أحكامها لها وزن قانوني كبير وقد نجحت جامبيا في استحداث تصرف قضائي للمحكمة بتشكيل لجنة من ثلاث قضاة دوليين لمتابعة والإشراف علي تنفيذ الحكومة تعهداتها بتوفير الحماية للأقلية المسلمة ومراجعة التقرير والملاحظات التي قد تتم أثناء عملية المتابعة.

 

قد يستمر التقاضي أمام تلك المحكمة لسنوات ويحتاج إلى غطاء مالي كبير وهو ما لايتوفر لهذه الدولة التي تصدرت بإنسانية نالت احترام العالم المتحضر فدولة جامبيا لا يتعدي دخلها القومي 1,48 مليار دولار سنويا حيث أن عدد سكانها لايزيد عن 2 مليون نسمة وهو أمر يستوجب علي الدول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي أصحاب الجيوب العميقة أن تسهم في تحمل جل نفقات القضية التي مايزال تكليف تلك المنظمة لدولة جامبيا بتصدر مشهد التقاضي محل تساؤل قوي حيث كان أولي بهذا الموقف دولة إسلامية كبري ذات شأن دولي كان من الممكن أن يزيد الموقف الروهينجي دعما وقوة إلا أن جامبيا وحتي الآن قدمت مثالا يحترم وقد فرقت خبرة وزير العدل أبوبكر تامبادو في سحب قضاة المحكمة إلى الوضع علي الأرض وانغماسهم بالفعل والعمل خارج المنصة والاشتراك في مفردات هذا الملف الإنساني بالدرجة الأولى.

السيناريوهات المتوقعة

– السيناريو الأول

استمرار التعنت من جانب حكومة ميانمار وقد يعرضها هذا الأمر إلى عقوبات دولية علي الأقل اقتصادية وهذا سيناريو نراه مستبعد بعد هذا الزخم الدولي التي نالته القضية

– السيناريو الثاني

إعطاء إقليم الروهينجا حق تقرير المصير بضغوط شعبية ورسمية عالمية وبحكم أن اتفاقية استقلال بورما عن حكومة الهند البريطانية كانت قد اشترطت علي حكومة بورما البريطانية إعطاء أي إقليم يريد الاستقالال حقه في تقرير مصيره متي طلب ذلك وهذا ايضا سيناريو مستبعد في ظل مجتمع دولي لم يتحرك إلا بعد بلغ الظلم مداه وتفاقم عدد الضحايا وأصبح مطالب بتمويل المشردين منهم وبإعداد فاقت المليون وفي أكثر من دولة فى العالم.

– السيناريو الثالث

أن تهادن حكومة ميانمار وتنحني للرياح الدولية العالية، حتي تمر ثم ستعاود الجرة مرة أخرى لا محالة حيث أن الخلاف خلافا عقائديا وهو أمر خطير للغاية بحكم أنه جهادا محببا للنفس وسبيل من سبل الشهادة والخلود وهذا هو السيناريو الغالب من وجهة نظرنا.

– إلا أنه يتبقي على الدول الإسلامية دورا هاما وأصيلا وهو ممارسة حقها في أن تدلوا بدلوها المتأخر كثيرا في المقاطعة السياسية والدبلوماسية مع حكومة ميانمار والأهم حصارها اقتصاديا بغلق الأسواق الإسلامية أمام منتجاتها وحث الأصدقاء الدوليين المعتدلين علي مشاركتهم في ذلك واستخدام مالهم من ثقل اقتصادي وسياسي في المنتديات والمنظمات الدولية للتأثير علي موقف ميانمار واجبارها على احترام حقوق الإنسان التي أصبحت مجرد صوت يسلط بطريقة انتقائية وأداة تهديد في مصفوفات المصالح حتي فقدت معناها السامي وبكل أسف.

 

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق