الجناح المسلح وأدبيات العنف داخل الإخوان

عمرو فاروق

لا يمكن اعتبار الجناح المسلح (حركة حسم) داخل جماعة الإخوان، نقطة تحول في تاريخ الجماعة، سواء على المستوى المنهجي الفكري، أو على المستوى التنظيمي والحركي.

لكنه كان تجسيدا حقيقيا وفاعلا لأفكار وأدبيات حسن البنا وسيد قطب، وامتدادا للتنظيم السري المسلح الذي أسسه البنا في أربعينات القرن الماضي، وتورط في العديد من العمليات الإرهابية.

لكن ثمة عوامل ساعدت في بلورة الجناح المسلح (حركة حسم)، فكريا وتنظيميا، لاسيما أنها قامت على بقايا بعد الحركات الإخوانية المسلح التي تشكلت عقب ثورة 30 يونيو 2013، مثل “العقاب الثوري”  و”ولع”، و”كتائب حلون” وغيرها من حركات جماعة الإخوان.

العامل الأول:

اعتماد الحركة المسلحة على عدة دراسات فكرية طرحتها الجماعة سقوط حكمها، وعبرت بوضوح عن الخط الفكري للتنظيم الإخواني، مثل:

(1)  دراسة “فقه الاختبار والمحنة”، التي قدمها مفتي الإخوان الدكتور عد الرحمن البر.

(2) كتاب “فقه المقاومة الشعبية”،  ويعتبر دراسة فقهية وشرعية لتوظيف العنف لمسلح لخدمة الجماعة في مواجهة النظم السياسية الحاكمة.

(3) كتاب “دليل السائر ومرشد الحائر”.

(4) كتاب “كشف الشبهات.. عما وقع فيه الناس من اختلافات”.

(5) وثيقة “رد الاعتداء على الحركة الاسلامية ” التي كتبها سيد قطب، وتم تسريبها من داخل السجن قبل إعدامه، ودعى فيها إلى ضرورة هدم الدولة المدنية لإقامة الدولة الإسلامية، وهي فكرة تتفق تمام مع نظرية “النكاية والانهاك”، التي طرحها  كتاب “إدارة التوحش”، الذي يعتبر أهم المرجعيات الفكرية لتنظيم القاعدة  وتنظيم داعش.

جميع هذه الدراسات أصلت فكريا وشرعنة للعمل المسلح، تحت ما يمسى بـ”فقه دفع الصائل”، و”الفئة الممتنعة”، وأباحة دماء قوات الجيش والشرطة، وتكفيرهم، والاعتداء على مؤسسات الدولة، والعمل على اسقاط النظام السياسي.

وفي أحد لقاءاته عبر فضائية “مكملين” الإخوانية، وأكد  القيادي الإخواني مجدي شلش، أنّ اللجنة الشرعية داخل الإخوان عكفت عقب 30 يونيو، وعلى مدار عدة أشهر، وقدمت مجموعة من الدراسات في مقدمتها كتاب “فقه المقاومة الشعبية”، للتأصيل الفكري والشرعي لتك المرحلة الحرجة من تاريج جماعة الإخوان، وأنه كان على رأسه تلك اللجنة الدكتور محمد كمال، المسؤول المباشر عن الجناح المسلح .

وشدّد شلش خلال لقائه، على أنّ “السلمية ليست ثابتاً من ثوابت الإخوان”، وأنّ “شعار سلميتنا أقوى من الرصاص تغيّر الآن وأصبح سلميتنا أقوى بالرصاص”.

كما كشف عن أنّ هذه الدراسات تم توزيعها على شباب القواعد التنظيمية للجماعة، وأن أكثر من 85 % من عناصر الإخوان، يؤيدون العمل المسلح لمواجهة النظام السياسي المصري.

العامل الثاني:  التأهيل والتدريب

وذلك من خلال “معسكرات الطلائع” التي فككتها الأجهزة الأمنية المصرية، في عدة مناطق صحراوية، وجففت منابع تمويلها، والوصول للشبكة الخارجية التي تمدها بالمال والسلاح.

جاءت عملية انشاء “معسكرات طلائع الفتح”، في إطار التطوير للهيكل التنظيمي والتعبوي للجناح المسلح داخل الإخوان، وهي عبارة عن أجنحة مسلحة تم توطينها في المناطق النائية  والصحراوية، بهدف تدريب أكبر عدد ممكن من شباب الجماعة، وتدريبها على فنون القتال والاغتيالات، تحت مسمى “التربية الجهادية” أو “مشروع الجهاد المقدس”.

تعتبر  “معسكرات طلائع”، بمثابة النواة الحقيقية لتكوين ما يسمى بـ”التنظيم المسلح”، والنقل النوعية والتحول في استراتيجية العمل المسلح داخل الإخوان،  والانتقال من خانة العشوائية والهواة، إلى خانة الاحترافية والتدريب بشكل كامل على طرق استخدام السلاح، وفك وتركيب المتفجرات، وطريقة تصنيعها، واستخدام التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الحديثة في عمليات الرصد والتتبع والمراقبة للأهداف المرادة.

إلا أن الأجهزة الأمنية المصرية قضت على هذا المشروع بشكل مبكر جدا،  واجهضت فكرة تكوين تلك الخلايا والأجنحة المسلحة، من خلال عملية تفكيك تلك المعسكرات، والقضاء على عدد كبير من عناصرها، والقاء القبض على بعضهم، وإضافة والعثور على بعض الأوراق التنظيمية،  وخطط تلك المعسكرات ومصادر تمويلها، ومخازن تسليحها التي تحت ما سمى بـ”مزارع الموت”، مثل مزرعة الاسكندرية ومزرعة البحيرة.

سعت “معسكرات الطلائع” إلى تشكيل عدد من الحركات المسلحة المتعددة بهدف تشتيت وإرباك الأجهزة الأمنية المصرية، وكان من ضمن الدورات التدريبية التي تلقتها عناصر “معسكرات الطلائع”، دورة “مقاومة الاستجواب”، والتي هدفت إلى تهيئة العناصر نفسيا للتعامل مع التحقيقات الأمنية حال وقوعهم في قبضة الأجهزة الأمنية الاستخبارات.

شكلت “معسكرات الطلائع” هيكلا تنظيميا، متكاملا، من حيث الاختصاص، والأداور المنوط بتدريب وتأهل العناصر، فشملت:

أولاً: “الدعم المركزي”، وهي لجنة معنية بتوفير جميع أوجه الدعم اللوجستي للحركة المسلحة، وفقا لاحتياجاتهم المرحلية.

ثانياً:”اللجنة الشرعية”، وهي لجنة معنية بإعداد البرامج والدورات الشرعية اللازمة لتأصيل العمليات النوعية المسلحة، وترسيخ الأفكار والمفاهيم الجهادية، والعمليات الانتحارية لدى عناصر التنظيم.

ثالثاً:لجنة “الوحدات الإدارية”، ومهمتها إعداد قواعد البيانات المختلفة للتنظيم، والتأكد من اتباع عناصر حركة حسم لإجراءات الأمن والسلامة.

رابعاً:لجنة “الرصد والمعلومات”، وهي لجنة معنية بجميع المعلومات عن العناصر والكيانات المطلوب استهدافها، ورصدها سواء كانت شخصيات سياسية أو عسكرية،  أو شرطية، أو قضائية، أو إعلامية، أو منشآت حيوية هامة.

خامساً:لجنة “العمليات والتنفيذ”،، وتتولى تنفيذ العمليات المسلحة، ضد الأهداف المرصودة، وتضم عدة خلايا فرعية على النحو التالي:  خلية “التدريب”، وخلية “التصنيع”، وخلية “التسكين” المعنية بتجهيز المقار التنظيمية، وغرف العمليات، وعقد اللقاءات التنظيمية وإخفاء الأسلحة والأدوات المستخدمة في العمليات الإرهابية، وخلية “التزوير” المكلفة باستخراج أوراق تحقيق الشخصية المزيفة لعناصر التنظيم، وخلية “التخزين” المكلفة بتدبير وإعداد معسكرات التدريب.

ووفقا لتحريات الأجهزة الأمنية، فإن “معسكرات الطلائع”، قسمت الدولة المصرية إلى مجموعة من القطاعات الجغرافية،في مقدمتهم “قطاع الشمال”، الذي يضطلع عناصره في تنفيذ العمليات الإرهابية بمحافظات الإسكندرية والبحيرة ودمياط والشرقية وكفر الشيخ والغربية والمنوفية، و”قطاع الجنوب”، ويضم محافظات الفيوم وبني سويف، والمنيا، وأسيوط، وأسوان، قنا، الأقصر، سوهاج، و”القطاع المركزي” بمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية.

العامل الثالث: التحالف مع تنظيم القاعدة

من العوامل التي ساعدت في بلوة حركة “حسم” المسلحة، واستمراية تواجدها هو دعمها المستمر من تنظيم “القاعدة”، لاسيما في ظل وجود علاقة تاريخية بين الإخوان وبين قاعدة بن دلان، منذ مرحلة المرشد محمد حامد أبو النصر، والمرشد مصطفى مشهور.

يضاف إلى ذلك أن قطر،  تعد أحد عوامل نجاح هذا التحالف باعتبارها داعما قويا لتنظيم “القاعدة”، ولمختلف عملياته المسلحة، واحتضانها لعدد كبير من قيادات القاعدة، وراعيتها لرجال بن لادن،  في فترة زمنية معينة أمثال خالد شيخ محمد، العقل المدبر لاحداث 11 سبتمبر 2001، إضافة لدعمها لحركة “حسم” الإخوانية التي يدار هيكلها من خارج الأراضي المصرية، ويشرف عليها عناصر قطرية وتركية.

وقد تجلى ذلك في العديد من المظاهر أهمها:

قيام المنصات الجهادية المحسوبة على تنظيم القاعدة، بالتعاون مع الإخوان في بث حملة ممنهجة ضد “التجنيد الإجباري” بالجيش المصري، وتوثيقها بأدلة وفتاوى شرعية ضالة ومنحرفة عن النهج الصحيح، لقيادات تنظيم القاعدة والسلفية الجهادية.

ومساندة جناح الإخوان المسلح، لتنظيم “القاعدة” في قضية هشام عشماوي، بشكل كبير، إذ بث فيلما وثائقيا تحت عنوان”الواحات.. الكمين القاتل”، تضمن تفاصيل ومعلومات هامة عن معركة “الواحات البحرية”، التي وقعت أحداثها عند منطقة الكيلو 135 بطريق الواحات بالصحرء الغربية، في 20 أكتوبر2017، ونفذها تنظيم المرابطون بقيادة عشماوي المحسوب على تنظيم القاعدة.

وتبنى الفيلم أطروحات كتاب “فقه المقاومة الشعبية”، التي سطر صفحاتها قيادات الجناح المسلح، وسردوا فيه خطوات وطريقة وتشكيل الخلايا النوعية، التي ليست من الضرورة أن تعمل بشكل مباشر مع التنظيم، إلا أنها تدور في فلكه، وتنفذ أوامره بما يشبه فكرة “الذئاب المنفردة”.

كما احتفى قيادات الإخوان، خلال الفيلم بهشام عشماوي، الذي وصفته بـ”قائد المقاومة”، ووصفت شاريكه عماد عبد الحميد، بـ”الشهيد القائد”، واعتبرتهما أحد رموزها الذين واجهوا الدولة المصرية، كما أثنت على التكفيري عمر رفاعي سرور مفتي القاعدة في ليبيا، ووصفته بـ” الشهيد المجاهد”.

واحتوى الفيلم على عدة رسائل مباشرة، تؤكد التعاون المشترك بين الإخوان وتنظيم “القاعدة”، مثل عرض صوراً ومقطوعات حية لعملية فض اعتصام رابعة في أغسطس 2018.

كما أصدر مكتب الإخوان الهاربين في تركيا، بيانا مشتركا مع تنظيم “القاعدة”، يندد فيه باختفاء مريم رضوان، زوجة الإرهابي عمر رفاعي سرور، مفتي تنظيم القاعدة في ليبيا، ونجل رفاعي سرور أحد المؤسسين الفعليين للسلفية الجهادية في مصر، ويتهم الأجهزة الأمنية المصرية باخفائها.

العالم الرابع: لجان الردع

في ظل سيطرت القيادات القطبية، على المشهد داخل جماعة الإخوان كانت تهدف،  لإقامة دولة ليست محلية فقط بل كيانا عالميا، وضع حدوده وجغرافيته حسن البنا في رسائله بمقولة “أستاذية العالم”، كانوا يعلمون أنهم سيواجهون أنظمة دولية مختلفة، لذا ضمت أجندتهم التوجه للقوة المسلحة حتى لا تتهاوى أركان كياناتهم.

الجماعة وضعت استراتيجية تستهدف تأمين تنظيمها، تحت ما يسمى بـ”القوة الضاربة”، والتي كانت تشمل 30% من أعضاء الجماعة، وهي نسبة تم الاتفاق عليها وسعت الجماعة لتحقيقها، بنهج شبيه بكيان “التنظيم السري” الذي أنشأه حسن البنا واختار له أفضل العناصر، لكن بصورة أكثر تطورا.

ما يعني أن ملف التدريبات المسلحة ، لم تغفله الجماعة على مدار نظام الرئيس مبارك، مثلما تدعي، وهو ما كشفه المرشد السابع محمد عاكف، من أنه بمقدور الإخوان ارسال 10 الاف مقاتل لدعم حزب الله في لبنان، في أغسطس 2006.

كان مسؤولية ملف التدريب العسكري يقع على كاهل  أحد نواب المرشد، حيث كان مكتب الإرشاد يقوم بإرسال عناصر الإخوان إلى معسكرات التدريب المسلح خارج مصر، بطرق سرية تختلف أشكالها للتمويه على أجهزة الأمن المصري، ومنعاً لإثارة الشك ولفت الانتباه .

وضعت قيادات مكتب الإرشاد شروطاً للانضمام إلى معسكرات التدريب المسلح منها: أن يكون العنصر الإخواني قد مر عليه 5 سنوات في مستوى “الأخ العامل”، وهو مستوى يصل إليه العنصر الإخواني وفق سياسة الترقي والتصعيد التي تتبعها الجماعة مع عناصرها.

وألا يقل عمر العنصر الإخواني في هذه المرحلة عن 30 عاماً، كما يتم تأهيل هذه العناصر نفسياً رحلة السفر، بدورات ترسخ المبادئ الفكرية الإخوان.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق